عندما تم قتل التوأم بدون ذنب
الحرب العالمية الثانية، الحرب التي غيرت شكل العالم للأبد، فيمكنك القول إن العالم قبل الحرب العالمية الثانية مختلف تماما عن العالم قبلها، فنتائج الحرب صنعت واقع سياسي مختلف وتكتلات، نعيش على آثارها حتى يومنا هذا.
كانت ألمانيا البلد الأبرز في الحرب، وكان هتلر مستعد لفعل أي شيء لكسب الحرب، وكان قاب قوسين أو أدنى من كسب الحرب، لكنها خسرها، وأثناء الحرب، فعل هتلر الكثير من الفظائع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التجارب الطبية لطبيبه المجنون جوزيف مينغلي.
عن طريق جوزيف مينغلي، أجرى النازيون العديد من التجارب البشعة والوحشية على السجناء في معسكرات الاعتقال النازية، وفي الغالب كان ضحايا هذه التجارب، من البولنديين أو اليهود أو أسرى الحرب السوفييت أو حتى الألمان ذوي الإعاقات الجسدية والذهنية، كانت الغاية عند مينغلي تبرر الوسيلة، الوسيلة هي تجارب على البشر، والغاية تطبيق هذه النتائج لإخراج أفضل سلالة من الجنس الآري.
ومن ضمن هذه التجارب البشعة، تجربة قام بها الطبيب جوزيف مينغلي خلال الفترة من 1943 وحتى 1944، على التوائم في معسكرات الاعتقال وخاصة معسكر أوشفيتز، وهو مجمع يضم أكثر من 40 معسكر اعتقال وإبادة إدارته ألمانيا النازية في الجزء المحتل من بولندا.
أجرى جوزيف مينغلي تجاربه المريضة على نحو 1500 حالة توائم، وخذ هذه الإحصائية، لم يبق منهم على قيد الحياة بعد توقف هذه التجارب البشعة إلا 200 حالة (أي أنه من3000 شخص، لم يبقى سوى 400 شخص فقط)، كانت هذه التجارب محاولة من منجيلي لفهم علم الوراثة لمضاعفة العرق الألماني والجنس الآري.
ومن هذه التجارب، خياطة التوائم مع بعضهم البعض لكي يرى كيف سيتصرفان ككتلة واحدة، وبتر بعض الأعضاء لمعرفة الخصائص الممكنة بالتوائم الملتصقة وكيف تنمو الأعضاء داخل التوأم ، كما حقن أحد التوائم بالأمراض كالتيفويد، ومن ثم نقل دمه لتوأمه ومعرفة من سينجو منهما، تجارب تدل على إن فاعلها مريض نفسي، ليس هذا فقط، بل تم حقنهم بالأصباغ المختلفة لمعرفة هل سيتغير لون العيون والشعر أم لا، وكان يدق وشوم على كل تؤام برقم التجربة التي أجريت عليهم، باختصار كان يتعامل مع البشر كفئران تجارب.
كما أجرى منجليه تجارب أخرى على حقن النخاع الشوكي لأحد التوأمين بأدوية لمعرفة مدى تأثيرها على جسده، ومقارنة النتائج المتحصل عليها بالجسد السليم للتوأم الثاني، وكانت كل هذه التجارب تتم بدون تخدير، لدراسة قدرة الإنسان على تحمل الألم، والكثير ممن أجريت فيهم هذه التجارب، ماتوا أثناء القيام بها، بسبب عدم الاهتمام بالتعقيم.
كانت هذه التجارب، في حال كان التوأم مفيد لدراسته، وإذا لم يعد هناك حاجة للتوأم، بعد انتهاء التجارب، كان يحقنهم بحقنة كلوروفورم مباشرة في قلوبهم، وذلك بعد تدهور حالتهم الصحية أو إصابتهم بالأمراض جراء حقنهم بها.
ولم يتردد مينغلي في نقل بعض الأمراض الخطيرة والقاتلة كالسل وحمى التيفوئيد لأحد التوأمين لمعرفة تأثير المرض على الإنسان، لكي يقارن الأعراض على جسم التوأم المصاب بالجسم السليم للتوأم الآخر.
وفي حالة وفاة أحد التوأمين، يصبح التوأم المتبقي بلا قيمة، لذلك تتكفل قوات الأس أس بالمعسكر بإعدامه رمياً بالرصاص قبل تشريحه وإرسال جانب من أعضائه نحو المختبرات الألمانية.
نهاية جوزيف
في النهاية، توفي كثير من الذين خضعوا للتجارب، بينما أعدم الكثير من الآخرين بعد أن اكتملت الاختبارات لدراسة آثار ما بعد الوفاة، ومن نجوا تُركوا غالباً مشوهين، يعانون من إعاقة دائمة، أجسام ضعيفة، واضطرابات عقلية ونفسية.
في التاسع عشر من أغسطس 1947 وضع الأطباء الذين أمسكت بهم قوات الحلفاء في محاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية ضد كارل براندت المعروفة باسم محاكمة الأطباء. في المحاكمة جادل الكثير من الأطباء في الدفاع عن أنفسهم أنه لا يوجد قانون دولي في ما يتعلق بالتجارب الطبية.
لكن ماذا عن مصير ملاك الموت، الرجل الذي كان يرسل الناس لحتفهم من أ<ل تجاربه المريضة ؟
في الوقت الذي حررت فيه القوات السوفيتية أوشفيتز في 27 يناير، فر منغليه منه في 18 فبراير، قبل أسبوع من وصول السوفييت إلى هناك، وسافر غربًا إلى زاتيك في تشيكوسلوفاكيا، متنكراً في زي ضابط في الجيش الألماني، وهناك أوكل تدمير الوثائق التي تدينه إلى ممرضة أقام علاقة معها.
ثم سارع هو ووحدته غربًا لتجنب القبض عليه من قبل السوفييت، ولكن تم أسرهم من قبل الأمريكيين في يونيو 1945، لكن لم يتم التعرف عليه، وأطلق سراحه في نهاية يوليو وحصل على وثائق هوية مزورة تحت اسم فريتز أولمان، وهي وثائق غيرها فيما بعد ليصبح فريتز هولمان.
ثم استخدم طرق التهريب النازية للسفر إلى جنوى، حيث حصل على جواز سفر من اللجنة الدولية للصليب الأحمر تحت الاسم المستعار «هيلموت جريجور»، وأبحر إلى الأرجنتين في يوليو 1949، ورفضت زوجته مرافقته، وتطلقا عام 1954.
وعمل في عمليات الإجهاض في الأرجنتين، و قام برحلة عمل موسعة إلى باراغواي وحصل على الجنسية هناك في عام 1959 تحت اسم «خوسيه منغيل»، وظل يتنقل بين الارجنتين والبرازيل والبارجواي، وخصصت إسرائيل كتيبة كاملة للبحث عنه، لكنهم لم يستطيعوا تقفى أثره.
تدهورت صحة منغليه بشكل متتابع منذ عام 1972. أصيب بسكتة دماغية في عام 1976، حيث عانى من ارتفاع ضغط الدم، وأصيب بمشكلة في الأذن مما أثر على توازنه.
وفي 7 فبراير 1979، أثناء زيارته لبعض أصدقائه في منتجع ساحلي، أصيب منغليه بسكتة دماغية أخرى أثناء السباحة وغرق، ودُفِنَت جثته في مقبرة في إمبو داس آرتس تحت اسم «فولفجانج جيرهارد»، الذي كان منغليه يستخدمه منذ عام 1971.
لقد كان مينغبليه هو الشيطان في صفقة الموت، والذي أرسل على إثر هذه الصفقة العشرات لحتفهم، لا لشيئ إلا لأن حظهم العاثر أوقعهم في طريقه، بلا ذنب.