غير لائق اجتماعيا عن عبد الحميد شتا الذي ابتلعه الحوت
غير لائق اجتماعيا، هي الجملة التي قوضت أحلام عبد الحميد شتا، خريج الاقتصاد والعلوم السياسية الذي تقدم لشغل منصب ملحق تجاري بوزارة الخارجية، فكانت نتيجته غير لائق اجتماعيا، فألقى بنفسه في النيل، معلنا نهاية حياته، وتاركا دليلا دامغا على غياب العدالة في مصر وقتها.
لكن الأسرة تنفي قصة انتحار عبد الحميد، وتعلن مقتله في مفاجأة جديدة، بها تفاصيل شديدة التعقيد، نسردها في التقرير التالي.
13 يوليو عام 2003
في هذا اليوم ألقى عبد الحميد شتا بنفسه في النيل، أو هكذا قيل، ليصل لقرية ميت الفرماوي إحدى قرى مركز ميت غمر، محافظة الدقهلية، جثة هامدة، وليُسكن الحسرة والألم في نفوس والديه، مات والده بحسرته، وعاشت والدته بقهرها.
القصة الشهيرة إن وزارة الخارجية رفضت تعيين عبد الحميد شتا في السلك الدبلوماسي، لكنها قصة جانبها الصواب، لأن الأمر لا يتعلق بوزارة الخارجية بل بوزارة التجارة الخارجية، وهي الوزارة المسئولة عن إلحاق ملحق تجاري بالسفارات والقناصل المصرية المختلفة.
كان عبد الحميد شتا، يخصص للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لكنه لم يحصل على المجموع الذي يؤهله للالتحاق بها فالتحق بكلية التربية جامعة الزقازيق، لكنه أرسل لوالدته “ياما كليه الزقازيق عفشة (وحشة) أنا هسافر أدرس وأعيش في مصر”.
وأعاد عبد الحميد السنة الأخيرة في الثانوية العامة، ليحصل على مجموع يؤهله للالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الحلم الذي عاش من أجله، ولا يعلم إنه سيكون سبب وفاته.
تفوق عبد الحميد شتا في دراسته في الكلية، وكان يعود لبلدته كل أسبوع لكي يعمل وينفق على نفسه، ويساعد والده في الإنفاق على أشقائه (لديه سيد يعمل مدرس في مدرسة القرية، ورضا الذي درس الطب في المانيا لتحقيق أمنية شقيقه)، وكان عبد الحميد يعمل في حمل الطوب مع والده مقابل 100 جنيه، يقسمها بينه وبين شقيقه رضا لتشجيعه على التعليم.
قرأ عبد الحميد عن وظيفة لتعيين ممثل تجاري لمصر في وزارة الخارجية، وكانت المسابقة تحت رعاية وزارة التجارة الخارجية، فتقدم عبد الحميد للمسابقة، وتم تصفية المتقدمين لـ، 43 متقدم، وكان عبد الحميد الأول بعد عام كامل من الاختبارات، كان عبد الحميد في منزله، فأرسل له أصدقائه يهنئونه على تعيينه، فترك أهله وسافر، بعدما فرح والدته قائلا: “هشتغل في السفارة ياما، وأوعدك هروح اشوف الوظيفة وأرجع”، أوفيّ عبد الحميد بعهده، ورجع لكنه عاد كجثة هامدة.
فوجئ عبد الحميد برفضه من الوظيفة وتعيين ابن قريب لأحد أعضاء لجنة الاختيار، مبررين الرفض بكونه غير لائق اجتماعيا، فقرر التخلص من حياته، وألقى بنفسه في نيل القاهرة، ربما ليشهده على ظلم سكانها
وجسد الفنان حمزة العيلي شخصية عبد الحميد شتا في مسلسل طاقة نور، تأليف حسان دهشان وإخراج رؤوف عبد العزيز وبطولة هاني سلامة وهيدي كرم وأشرف عبد الغفور ووليد فواز ونورين كريم وجيهان خليل ومها صبري، لكن أسرة عبد الحميد شتا، قررت مقاضاة صناع المسلسل، بسبب تشويه الحقيقة وعدم استئذانهم في تناول سيرته، وأعلنوا أن عبد الحميد تم قتله ولم ينتحر.
كان الحزن أقوى من أن تتحمله الأسرة، في الغالب أصيب الأب بكرب ما بعد الصدمة، تقول الأم في حوار لصحيفة الوطن المصرية “أبوه مات بعده، فضل كل يوم يروح التُرب لحد ما نظره راح وبعدها ما استحملش ومات”، وظل الحزن ينهش قلب الأم، حتى أن عينيها أصبحت أضيق من أن تتحمل الدموع في المقل “من حزني عليه.. عبدالحميد ما كانش شويه”، وانعزل سيد العالم، فأصحب العالم كله بالنسبة له اسرته الصغيرة ومدرسته التي يعمل بها، وسافر رضا لدراسة الطب في ألمانيا.
تمسح الأم يوميا صورة عبد الحميد، وترتب أوراقه كما تركها، وتصلي بجوار صورته، حتى تخبره بالعهد الذي بينهم ألا تترك صلاة أبدا، حتى يلتقيا في عالم آخر، تتحقق فيه الأماني، حتى لو لم تكن لائق اجتماعيا.
تدافع وزارة التجارة الخارجية عن نفسها قائلا إن عبد الحميد رفض لدواعي أمنية، وإنه كان متفوقا وكانم يشرفها أن تقبله بين أعضائه لكن الرفض جاء من الأمن. الرفض الأمني أو الرفض من وزارة التجارة الخارجية، ترد عليه السيدة علية والدة عبد الحميد قائلة: “طول عمره طالع من الاوائل ولا عمره جاب ملحق، منهم لله اللي خانوه كان نازل فرحان يتصور ويقولي في التليفون انا نجحت وخلاص هتعين في الخارجيه يا اما.. موتوه وقتلوا فرحتنا بيه”.
تحتفظ أم عبد الحميد ببدلة قديمة لابنها، وتقول عنها: “اشتراها عشان يروح بيها اول يوم ليه في الشغل قبل ما يقتلوه”، تؤكد الأسرة أن ابنهم لم ينتحر لأنه كان مقبلا على الحياة ومحبا لها، ومتدينا، ترفض الأم فكرة انتحار ابنها موضحة: “ابني اتقتل ما انتحرش، خانوه وقتلوه عشان ياخدوا مكان، ماكانش يهون عليه نفسه يموت كافر.. لو كان بيشحت مش هيرمي نفسه في البحر، اللي كان بيصلي فرض ربنا عمره ما ينتحر”.
كان عبد الحميد يرفض تناول أي طعام قبل أن يصلى الصلاة الموقوتة في وقتها في المسجد، ويطحب أشقائه معه، ترى الأم أن شديد التدين لا يمكن أن يُلقى بنفسه في النيل، ويرتكب هذه الكبيرة، لماذا تميل لفكرة قتل ابنها، وتقول الأم أن عبد الحميد لم يكن متكبرا وكان لديه استعداد أن يعمل في أي معهننة طالما كانت بالحلال، وتعدد للمهن التي عمل بها في العمل كأجري في الحقل مع والده، أو في تشكيل الطوب اللبني قبل نقله للأفران، وكان يساعد شقيقه رضا في دراسته لكي يدرس الطب، وهو الحلم الذي تحقق بعد رحيل عبد الحميد.
اختفي عبد الحميد 3 أيام، لم يصل إليه أهله، وظنوه يستجم بعد تعب السنين قبل الوظيفة “المعتبرة”، التي ستكسبهم الكثير من المكانة الاجتماعية التي يهتم بها مجتمع طبقية، لكن الصمت الذي خيم على الأسرة، كسره صورت دقات على باب منزل الحاج علي شتا، فتحت السيدة وهي تشد الخطأ لتعرف من الطارق، فوجدته خفير من خفراء عمدة القرية، والذي قال لها: “يا ست أم سيد.. فيه جدع اسمه عبدالحميد لقوه ميت وشاكين يكون ابنك”، وقد كان شكهم في محله. دفنوا الجثمان، لكن من يدفن الحزن، من يستطيع أن يأخذ الحسرة في كفن ويليقيها بعيدا عن الدار، لا أحد لها للأسف الشديد.
قُتل أم انتحر
الأسرة لا تصدق قصة انتحار ابنها، فالشقيق سيد يقول: من قتلوا شقيقي حاولوا قتلي ايضاً، عندما حاولت التحدث عن قتل شقيقي في التليفزيون، وأن عصر مبارك وما كان به من ظلم جعلني أرفض الحديث عن مقتل شقيقي، ولكن أريد أن يعرف الناس الحقيقة”. حكي سيد: “كنا اسره عاديه تعيش علي التقوي والاسلام والورع، حياتنا اقتصرت علي التعليم والمسجد والتفوق العلمي وحب الوطن، كنا مثاليين الي حد كبير، أبي رجل فقير، واستطاع تنشئة أبنائه الثلاثة علي التفوق والنجاح، وعبدالحميد كان من الاوائل وأنا كنت الأول علي الثانويه العامة وعلي كلية الاداب، واخونا الاصغر ضياء جراح عظام في المانيا، وكان ابونا بيعلمنا نذاكر ونبقي كويسين علشان نخدم بلدنا. وتابع سيد: “أخويا عبد الحميد، كان أكتر حد فينا بيحب العلم، هو كان معرفنا إنه مقدم في الخارجيه، ووقتها كان معاه موبايل، وقالنا إن زملائه بيهنوه من خلال رسايل علي تليفونه، وقالنا النتيجه اتعرفت وأنا نجحت ورايح استلم شغلي».
وكانت اخر مكالمة هاتفية يجريها عبد الحميد بصوت يملؤه الخوف والارتباك، هي مكالمة لزوجة شقيقه سيد، قال لها فيها: “اتوصوا ببعض أنا مش قادر اتكلم”، الأمر الذي يفسره سيد بأن شقيقه كان حينها مكبلاً او مقيداً ويتعرض لتهديد من قاتليه. بعيدا عن المكالمة، يستدل سيد بشهادة جيرانه في بين السرايات: “جيراني عبد الحميد لما سألوا رضا وقالواله كان لابس ايه لما طلعتوه من الميه، قالهم كان لابس كذا، قالوا لا ده كان لابس لبس تاني غير ده”. كما يؤكد سيد حب شقيقه للحياة، بقوله إنه مر على صاحب المطبعة التي تطبع رسالته، ولم يجده، فكتب له جملة في ورقة وتركها له، كان بها: “ارجو إنهاء طباعةالرسالة في مدة لا تزيد عن 24 ساعة، وكانت دي اخر كلمه كتبها”, فكيف من يفكر في الانتحار يستعجل في طباعة الرسالة.
ويصمم سيد على فكرة قتل شقيقه قائلا: “وظيفة ايه اللي ينتحر بسببها، تغور الوظيفة، هو بشخصيته يجيب وظيفه وينجح اكتر من المكان ده، ده كان بيتكلم في الوقت المناسب ولما بيتكلم بيقول افصح كلام»، لكن مسئول بلجنة الاختبارات هو الذي عين ابن شقيقه بدلا من عبد الحميد: “لما رئيس لجنة الاختبارات يعين ابن أخوه مكان عبدالحميد والنتيجة تتغير ويتحط اسم ابن أخوه بدل أخويا وهو أصلا خريج آداب وسقط اصلاً في التصفيات الأولي يبقى الحكايه فيها انَّ». ويؤكد سيد إن الشخص الذي عين ابن اخيه بدلا من عبد الحميد تم نقله للعمل في رومانيا، مما يثبت إن هناك طرمخة في التعيينات يتم المدارة عليها.
لكن أكثر ما يؤكد لسيد إن شقيقه قُتل، االمصادرلتهديدات التي وصلت له شخصا، ويقول في حوار للوطن: “أنا نفسي اتضربت بالموتوسيكل بتاعي 3 مرات، وكان بيتقالي نصاً دي قرصة ودن علشان تعرف تسكت ومتحصلش أخوك». “أشوف فيهم قدرة ربنا بحق جاه النبي، هذه هي الدعوة التي لم تفارق لسان أم عبد الحميد يوميا منذ أن عاد لها ابنها جثة هامدة، واصفينه بالمنتحر، فيما تصرف هي على إنه قُتل، لكن تبقى قضيته شاهدة على اختلال ميزان العدالة، وعن رجل مصري ابتلعه الحوت لأنه غير لائق اجتماعيا.
مع وفاة عبد الحميد شتا، قُلبت مصر على الشاب الذي فقد زهرة شبابه، وتسارعت الوزارة في نفي ما حدث، وجعله حدثا فرديا، لكن الآن يخرج وزير العدل ليعلن إن ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا، فيتم إقالة الوزير، مع إن كلامه حقيقيا، لكنهم عاقبوه لأنه ليس كل ما يعرف يقال يا سيادة وزير العدل، ماذا حدث خرج المثقفين يدافعون عن وزير العدل، فمثلا لميس جابر مالت وعُدلت، وقالت ابن زبال مين اللي بقى قاضي دول بيكسبوا كتير جدا مش هيسيبوا المكسب دا ويبقوا قضاة، المهم أن تفرغ القضية من مضمونها.
وكما قال الابنودي
والدنيا ماشية وشعبنا نساي