يونس بحري الرجل الذي فعل كل شيء
يمكنك وصفه بالرجل الذي فعل كل شيء، في وقت قصير، وبطريقة تجعل الأمر يبدو شديد البساطة، لكن ما فعله من الصعب أن يقوم بها، فيونس بحري، هو رحّالة وصحفي ومذيع وإعلامي وأديب ومفتي ومؤلف عراقي، وتقلد مناصب من الصعب أن يجمع بينها شخص واحد.
ولد يونس بحري عام 1900م، وقيل 1902 في مدينة الموصل، كان والده صالح آغا الجبوري ضابطا في الجيش العثماني برتبة يوزباشي وقد عمل في وحدة وظيفتها تأمين البريد بين إسطنبول وولاية الموصل، ودرس يونس في المدرسة الحربية في اسطنبول وتخرّج ضابطا منها، حسنا هذا الرجل درس في المدرسة الحربية في اسطنبول ليصبح ضابطا، لا ليس حسنا، ففي عام 1921م أكمل دراسته في المدرسة الحربية للخيّالة في مدينة ميونخ الألمانية، وفيها تعرّف على أدولف هتلر، وأصبح صديقا شخصيا له، ومن أقرب المقربين له.
وألف العديد من المؤلفات والكتب، وسافر إلى عدة بلدان وخذ هذه المعلومة، أتقن 17 لغة أجنبية منها؛ اللغة الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والتركية والإنجليزية، وأسّس عدة إذاعات، ويعتبر مؤسس أول إذاعة عربية في قارة أوروبا عام 1939، وهي إذاعة برلين العربية التي كانت تبث من ألمانيا وموجهة إلى أقطار الوطن العربي وكان يردِّد عبارته الشهيرة به: (هنا برلين حيَّ العرب)، وكان يسب حكام العرب لذا حكم عليه بالإعدام 4 مرات، لكن الغريب إن من أصدر عليه أحكام بالاعدام، التقى به بعد ذلك ورحب به.
ويكفي أن تعرف أن يونس بحري، كان صحفي في الهند، ومفتي في إندونيسيا، ورئيس تحرير جريدة في جاوة وإمام جامع في باريس، ليحصل على لقب أسطورة الأرض، بسبب كثرة سفرياته، بل وكثرة الأدوار والمناصب التي تولاها.
سبب لقب البحري
دخل ونس البحري مسابقة لعبور بحر المانش، فتقدّم يونس وهو يرفع علم العراق لدخول المسابقة قبل ساعات معدودة من البداية من دون تحضير سابق أو تدريب، فشارك فيها وعبر البحر وفاز بالمركز الأول مسجلّاً سابقة لا مثيل لها في التاريخ الرياضي فأطلق عليه تسمية (يونس البحري) ومُنح جواز سفر دبلوماسياً ألمانياً، ثم رجع إلى العراق وكتبت الصحافة العراقية مغامراته الجغرافية، وقد حمل 15 جنسيه مختلفة.
وصل يونس بحري إلى المملكة العربية السعودية وقابل الملك عبد العزيز آل سعود، الذي كلفه بنشر الدعوى إلى الحج فيجزر الهند الشرقية، واستطاع بجهوده أن يضاعف أعداد الحجاج من شرق أسيا، وأصدر مجلة الحق والإسلام، وتزوج من سيجة أندونيسية واستقر هناك.
هروبه لألمانيا
في عام 1933 عاد يونس إلى العراق فأصدر جريدة باسم (جريدة العقاب)، وفي وعمل مذيعا في إذاعة قصر الزهور التي أسّسها الملك غازي، وكان أول من قدم الملك غازي من إذاعة قصر الزهور، وصار صديقا للملك غازي.
وفي 1939 ، عندما وقعت حادثة اصطدام سيارة الملك غازي ملك العراق بعامود الكهرباء في قصره وأدّت إلى وفاته، صدرت صحيفة العقاب وكانت صفحتها الأولى مجللة بالسواد، وعنوانها بالخط العريض أعلى الصفحة: (مقتل الملك غازي)، مع اتهام للإنجليز بقتل الملك.
كانت المجلة ذات تأثير واسع جدا، فتسبب المقال المنشور في مظاهرات صاخبة في عموم العراق، ونجم عن هذه المظاهرات هجوم المتظاهرين على القنصلية البريطانية في الموصل، وعندما خرج القنصل البريطاني مونك ميسن قتله عدد من المهاجمين، فذهب رجال الشرطة إلى بيت يونس بحري لإلقاء القبض عليه وتقديمه إلى المحاكمة، لكن كان وصل إلى برلين بطائرة لوفتهانزا حاملا جواز سفر أصدرته لهُ السفارة الألمانية في بغداد، إذ ساعده القنصل الألماني في بغداد على الهرب إلى ألمانيا.
حصل يونس حربي على رتبة مارشال، وكان يحضر الاحتفالات العسكرية الألمانية مرتديا الزي العسكري الألماني النازي، ويرتدي الصليب المعقوف على ساعده، وقابل العديد من رموز النازية بما فيهم الزعيم أدولف هتلر والزعيم الفاشي الإيطالي موسوليني، ولكي يجذب انتباه العرب لإذاعة برلين طلب من جوبلز وزير الدعاية الألماني أن يبث آيات القرآن الكريم، فرفض، فصعد الأمر لهتلر، فوافق.
وخلال إقامته في أوروبا، عمل إماماً وخطيباً في عدد من مساجد الدول الأوروبية، لذلك وصفتهُ الوثائق البريطانية بأنهُ رجلٌ متجرد من المبادئ، وبعد اندحار ألمانيا هرب وتوجّه إلى فرنسا ثم المغرب ووصل بعدها إمارة شرق الأردن/ ثم رجع إلى بغداد، ثم ما لبث أن سافر إلى لبنان في عام 1955.
ثم ذهب إلى مصر بطلب من القيادة المصرية الجديدة بعد الثورة عام 1956، واحتفى بهِ الرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات، ولما وصلت أخبار زيارة يونس بحري لمصر إلى أسماع الحكومة العراقية ولقاءاته بالقادةِ المصريين، خشي الهاشميون في العراق والأردن، وبالأخص رئيس الوزراء نوري السعيد أن يكون ليونس بحري دوره الإعلامي في مصر ضد كل من نظامي الحكم في العراق والأردن، فوجد كل من عبد الإله والملك عبد الله في الأردن أن يرسلا بطلبهِ، وأن يصفحا عنه إن اعتذر لهما (كان يونس يهاجم الوصي على العرش عبد الإله ويصفه بأفظع الأوصاف)، وقررا تجنيدهُ لصالحهما، فما كان منهُ إلا أن قدم للعراق واعتذر فصفحا عنه وعن كل ما ارتكبهُ بحقهما، وما كاله ضدهما من شتائم مقذعة خلال الحرب العالمية الثانية، وطلبه رئيس الوزراء نوري سعيد لأجل توظيفه في إذاعة موجّهة ضد أفكار القومية التي يبثها الإعلام المصري، فوافق على ذلك.
لكن بعد وصولهِ بيومين إلى بغداد قامت الثورة على الملكية وقُتل الملك وزج بهِ مع المتهمين، لأنه اعتبر من أنصار الدولة الملكية والاستعمار، واعتقل بعد ثورة 14 تموز 1958 مع رجالات الحكم الملكي لمدة سبعة أشهر، وحكم عليهِ بالإعدام وتحول الحكم فيما بعد إلى السجن المؤبد لعدم كفاية الأدلة ثم أُطلق سراحه بعد وساطات من زعماء وقادة عرب وأجانب.
وقابله عبد الكريم قاسم وأفرج عنه في لقاء نادر من نوعه، وخرج من المعتقل سنة 1959 ليعمل طباخاً في مطبخ مطعم (بوران) في بغداد في شارع الرشيد، ولكنهُ سعى إلى جمع بعض السياسيين في مطعمهِ، وهناك صادف مرور عبد الكريم قاسم على مطعمهِ والذي تسبب بهربه مرة أخرى من العراق، لأنه ظل معاديا لنظام عبد الكريم قاسم، وعاد إلى بغداد في عقد السبعينات بعد أن أدركته الشيخوخة ولم يهتم لأمره أحد، ورحل سنة1979.
أسّس بحري في حياته 16 إذاعة، وأتقن 17 لغة، وحمل 15 جنسية، وتزوج 90 إمرأة زواجًا شرعيًّا، وأكثر من 200 زواج مدني، أنجب 365 ذكرًا، ولا يعلم عدد الإناث، كان عنده أكثر من 1000 حفيد.